قراءة روايات محمد ناجى متعة عقلية ووجدانية ودرس لكل الروائيين الاستعراضيين النرجسيين المسكونين بهوس الاستوديوهات أكثر من الإخلاص للكتابة والفن، لعلهم يتعلمون من هذا الرجل الذى أخلص للرواية ولم يسعَ إلى فلاشات الكاميرات قط. كنا بالأمس قد بدأنا قراءة فى رواية ناجى «رجل أبله.. امرأة تافهة»، وتساءلنا: كيف كان لقاؤهما؟ تم اللقاء فى دار لرعاية المسنين، كان الرجل يتردد على الدار لزيارة أستاذه القديم فى النضال السياسى، وقابلها هناك أثناء جلسة حكايات التلميذ للأستاذ عن ذكريات النضال، وكانت نهاية المناضل المخضرم فى دار المسنين لا تتناسب مع تاريخه النضالى، وتلخص لنا المرأة لحظة موته قائلة: «مات وأنا أكلمه، حمّمته بنفسى ولم أترك ذلك للموظفات الصغيرات، نشّفته، وقبّلت جبينه، وكلّمته، هو لم يهتم، لم يفعل شيئاً سوى أنه غطى عورته بيده، كان فى حالة خصام طويلة، ظلت عيناه مفتوحتين لكنه كان يموت، لا نزف ولا صرخ ولا وقع، انطفأ ببطء وبلا مقاومة». بدأت المطاردات السرية والفخاخ المنصوبة من المرأة التافهة للرجل الأبله، وهى من أعجب أنواع المطاردات الغرامية التى ستقابلها فى حياتك، هى كر وفر بين الرجل الذى يحتقر تفاهتها فى داخله، وبين المرأة التى تطارده وهى واثقة من أنه لا يشاركها تفاصيلها الصغيرة واهتماماتها الهامشية، ولكن كلاً منهما لا يستطيع الاستغناء عن الآخر. ظلت العلاقة ثلاثة أرباع الرواية تليفونية مشوبة بالشبق وأحياناً بالاشمئزاز، بدأ الاقتراب الحذر من المرأة بترتيب تفاصيل حياته البوهيمية من أكل وشرب وخلافه، إنها رشوة الرحرحة التى جرّته إلى رمالها الناعمة، وبرغم أنه قال عنها إنها تعرض نفسها بمذلة خادمة وتقاتل ببسالة عاهرة، فإنه تقبّل رشوتها بل وأدمنها. بعد رشوة تنظيم تفاصيل حياته انتقلت إلى رشوة تدليك غدة النرجسية بداخله، فبدأت تغازل شهوة الشهرة بداخله، من خلال مقابلته وهى تحمل المجلة مطوية على صورته، ثم بدأت جرعات الحنان تُدخله فى دائرة إدمان وجودها فى حياته، وهو قد لخّص تطور هذه العلاقة بقوله لصديق الآيس كريم: - تسللت لحياتى مثل فأر. - تركت الباب مفتوحاً، لم تحسم الأمر مع نفسك. - لم أفتح لها باباً، هى تتسلل بفجاجة وتفرض نفسها دون إحساس بالمهانة، تُحمّلنى بهدوء مسئولية استشهادها التطوعى. - ماذا أعطيتها؟ - لا شىء. - وماذا تطلب هى؟ - لا شىء. - ماذا يربطك بها إذن؟ - أعتقد لا شىء. - لكنك أصبحت أسيراً لطقوسها اليومية. - راهنتُ على نفاد صبرها. انتهى الحوار الذى يشرح كيف تسللت المرأة التافهة إلى حياته، ولكن كيف تطورت العلاقة؟